0



اولا: اتباع الجنائز
أدلة الجواز و الكراهة 
عند ابن ابى شيبة:
- حدثنا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى عُمَرُ امْرَأَةً، فَصَاحَ بِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعْهَا يَا عُمَرُ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ، وَالنَّفْسَ مُصَابَةٌ، وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ . (صحيح)
- عن انس قال  مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر ، فقال لها  اتقي الله واصبري ، قالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ، ولم تعرفه ، فقيل لها : إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك ، فقال  إنما الصبر عند الصدمة الأولى( رواه البخاري)
وجه الاستدلال للحديثين :
ان النبى تركهم و لم ينهاهم و الانبياء لا يجوز لهم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

- عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا( رواه البخاري ومسلم)
هذا الاثر يفيد الكراهة فقط ولا يفيد التحريم
قال الحافظ فى الفتح : وَبِهِ قَالَ جُمْهُور أَهْل الْعِلْم ، وَمَالَ مَالِك إِلَى الْجَوَاز وَهُوَ قَوْل أَهْل الْمَدِينَة
قال ابن المنذر : روينا عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وأبى أمامة ، وعائشة أنهم كرهوا للنساء اتباع الجنائز ، وكره ذلك أبو أمامة ، ومسروق ، والنخعى ، والحسن ، ومحمد بن سيرين ، وهو قول الأوزاعى ، وأحمد ، وإسحاق ، وقال الثورى : اتباع النساء الجنازة بدعة.
ورُوى جواز اتباع النساء الجنازة عن ابن عباس ، والقاسم ، وسالم ، وعن الزهرى وربيعة وأبى الزناد مثله ، ورخص مالك في ذلك وقال : قد خرج النساء قديمًا في الجنائز ، وخرجت أسماء تقود فرس الزبير وهى حامل ، وقال: ما أرى بخروجهن بأسًا إلا في الأمر المستنكر. قال ابن المنذر: وقد احتج من كره ذلك بحديث أم عطية.

  
ثانيا: زيارة القبور

- عن بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور فَزُورُوهَا " (صحيح مسلم) زَادَ التِّرْمِذِيُّ : فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ

قال الشيخ الالبانى : النهي كان شاملاً للرجال والنساء معاً فلما قال : (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) كان مفهوما أنه كان يعني الجنسين ضرورة أنه يخبرهم عما كان في أول الأمر من نهي الجنسين فإذا كان الأمر كذلك كان لزاما أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث وهو قوله : (فزوروها) إنما أراد به الجنسين أيضا ويؤيده أن الخطاب في بقية الأفعال المذكورة في روايته : (ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً)

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " زُورُوا الْقُبُور فَإِنَّهَا تُذَكِّر الْمَوْت "(صحيح مسلم)

- قَالَ عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَة لِعَائِشَة يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت ؟ قَالَتْ : مِنْ قَبْر أَخِي عَبْد الرَّحْمَن فَقُلْت لَهَا : أَلَيْسَ قَدْ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا (المستدرك صحيح) صححه الذهبى و البوصيرى و الالبانى

- وفى الحديث الطويل: عن عَائِشَةُ ان النبى قَالَ « فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِى حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِى فَأَخْفَاهُ مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِى فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِىَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ». قَالَتْ قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « قُولِى السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ ».(صحيح مسلم)

عرض المذاهب في المسألة :
- ذهب الامام احمد الى جواز زيارة النساء للقبور فى احدى الروايتين عنه و هو رواية عند المالكية و الشافعية والحنفية ، قال السرخسى فى المبسوط : وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا وهو مذهب ابن حزم.
وذهب بعض الحنفية الى استحباب زيارة النساء للقبور.
قال الحافظ : وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاء فَقِيلَ : دَخَلْنَ فِي عُمُوم الْإِذْن وَهُوَ قَوْل الْأَكْثَر ، وَمَحَلّه مَا إِذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَة وَيُؤَيِّد الْجَوَاز حَدِيث الْبَاب. وقال ايضا : وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز زِيَارَة الْقُبُور سَوَاء كَانَ الزَّائِر رَجُلًا أَوْ اِمْرَأَة كَمَا تَقَدَّمَ ، وَسَوَاء كَانَ الْمَزُور مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ، لِعَدَمِ الِاسْتِفْصَال فِي ذَلِكَ ، قَالَ النَّوَوِيّ : وَبِالْجَوَازِ قَطَعَ الْجُمْهُور ، وَقَالَ صَاحِب الْحَاوِي : لَا تَجُوز زِيَارَة قَبْر الْكَافِر ، وَهُوَ غَلَط اِنْتَهَى.

- وذهب الامام احمد فى الرواية الاخرى الى الكراهة وهى رواية عند الشافعية و المالكية ايضا.
- وذهب بعض الشافعية و شيخ الاسلام و ابن القيم الى التحريم .


- مناقشة ادلة المانعين و الرد عليها
اعلم ان الشيخ ابن عثيمين جمع اقوال المانعين من قبل مثل شيخ الاسلام وابن القيم وزاد عليها ، وإليك ادلة المخالفين و الرد عليها :
                                        الادلة:  
- حديث لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج و فى لفظ زائرات
قال الشيخ ابن عثيمين : وهذا الحديث يدل على تحريم زيارة النساء للقبور، بل على أنه من كبائر الذنوب، لأن اللعن لا يكون إلا على كبيرة، ويدل على تحريم اتخاذ المساجد والسرج عليها ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب للعن فاعله.
وقال أيضاً :  اولاً: دعوى النسخ غير صحيحة، لأنها لا تقبل إلا بشرطين:
الشرط الاول : تعذر الجمع بين النصين ، والجمع هنا سهل وليس بمتعذر، لأنه يمكن أن يقال: إن الخطاب في قوله: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها" للرجال، والعلماء اختلفوا فيما إذا خوطب الرجال بحكم: هل يدخل النساء أو لا؟ وإذا قلنا بالدخول - وهو الصحيح ـ، فإن دخولهن في هذا الخطاب من باب دخول أفراد العام في العموم، وعلى هذا يجوز أن يخصص بعض أفراد العام بحكم يخالف العام، وهنا نقول قد خص النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء من هذا الحكم، فأمره بالزيارة للرجال فقط، لأن النساء أخرجن بالتخصيص من هذا العموم بلعن الزائرات ، وأيضاً مما يبطل النسخ قوله : "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" ، ومن المعلوم أن قوله: "والمتخذين عليها المساجد والسرج" ، لا أحد يدعي أنه منسوخ ، والحديث واحد ، فإدعاء النسخ في جانب منه دون آخر غير مستقيم، وعلى هذا يكون الحديث محكماً غير منسوخ.
الجواب :
ورد فى الحديث الصحيح عند ابن ابى شيبة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى عُمَرُ امْرَأَةً ، فَصَاحَ بِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعْهَا يَا عُمَرُ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ ، وَالنَّفْسَ مُصَابَةٌ ، وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ
قلت هذا الحديث لم يتعرض له المانعين بجواب و هو حديث صحيح.
من الحديث السابق تبين انها امرأة وبهذا يتعذر الجمع بين النصين. اما  قول الشيخ: "والمتخذين عليها المساجد والسرج"، لا أحد يدعي أنه منسوخ، والحديث واحد، فادعاء النسخ في جانب منه دون آخر غير مستقيم فغير صحيح بل النسخ مستقيم للاسباب التالية:
أولا:  النسخ هو رفع حكم شرعي ثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه وهناك تعريفات اخرى كثيرة للمعنى الاصطلاحى للنسخ الا انها تشترك فى انه رفع للحكم شرعى فأذا كان كذلك فيتبين ان رفع الحكم الشرعى غير مرتبط بالحديث الواحد اذ ان الحديث الواحد قد يحتوى على عدة احكام شرعية مثل حديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته الذى احتوى على حكمين طهورية ماء البحر وحل ميتته ومن هنا يتبين انه يجوز رفع حكم من الحديث دون الحكم الاخر او الاحكام الاخرى لعدم الارتباط بينهما وهذا ما فهمه العلماء ان احاديث النهى عن الزيارة منسوخة امثال ابن الصلاح والحاكم وابن بطال وابن حجر وغيرهم كثير.
ثانيا: ادعاء النسخ في جانب منه دون آخر ظاهر فى القران و السنة فقد خصصت اية المائدة "{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } الآية التي فى  البقرة: { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }
قال ابن عباس لما نزلت هذه الآية: { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } قال: فحجز الناس عنهن حتى نزلت التي بعدها: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } فنكح الناس نساء أهل الكتاب.
و هذا يدل على بقاء تحريم نكاح الكافرات من غير اهل الكتاب وكذلك رجال الكفار بما فيهم اهل الكتاب فلا يجوز ان ينكح رجال اهل الكتاب المسلمات بأى حال وهذا يدل على ان اية المائدة خصصت جزء من اية البقرة ولم تلغى احكامها بالكلية وهذا ما يسميه بعض العلماء النسخ الجزئى.
ثالثا: ان النبى نهى عن اتخاذ القبور مساجد فى مرض موته ايضا من دون نهى النساء عن زيارة القبور فيتبين من ذلك نسخ نهى النساء عن زيارة القبور وبقاء النهى فى حق المتخذين عليها المساجد و السرج.

رابعا: ان الشيخ ادعى ان النسخ فى حق الرجال فقط مع ان الخطاب إنما أراد به الجنسين ويؤيده أن الخطاب في بقية الأفعال المذكورة في روايته : (ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا) ، ومن ثم فان من ادعى النسخ في حق الرجال فقط فقد ادعى النسخ فى جانب منه دون آخر اذ ان امساك لحوم الاضاحى جائز للنساء والرجال كما ان المسكر محرم للنساء والرجال على السواء ولم يختص بالرجال فقط وهذا تناقض فى دعوى عدم جواز النسخ في جانب منه دون آخر وقد سبق ان اوضحنا انه يجوز النسخ في جانب دون آخر .

الشرط الثانى (الكلام من هنا للشيخ ابن عثيمين) : العلم بالتاريخ ، وهنا لم نعلم التاريخ ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: كنت لعنت من زار القبور ، بل قال: "كنت نهيتكم"، والنهي دون اللعن.
الجواب :
المتعين ان احاديث النهى منسوخة للتصريح الواضح بالنسخ الذى لا يحتاج الى تاريخ كما قال ابن الصلاح فى مقدمته  ان الناسخ والمنسوخ يعرف بعدة قرائن منها تصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم به. كما لا يخفى فى حديث كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور فَزُورُوهَا
كما ان تاريخ جواز الزيارة بعد النهى يقينا ومما يدل على ذلك قول أم عطية المتقدم وقول ام المؤمنين عائشة حين سئلت عن النهى : (نَعَمْ ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا) ، وهذا بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم.
قال الحاكم : وهذه الأحاديث المروية في النهي عن زيارة القبور منسوخة والناسخ لها حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم : قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فقد أذن الله تعالى لنبيه في زيارة قبر أمه.
 قال ابن الصلاح : فى مقدمته فى الكلام عن معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه: وهذا حكم وقع لنا، سالم من اعتراضات وردت على غيره ثم أن ناسخ الحديث ومنسخه ينقسم إلى أقساماً: فمنها ما يعرف بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم به، كحديث بريدة الذي اخرجة مسلم في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فذوروها
و قال ابن بطال : وحديث أنس فى هذا الباب يشهد لصحة أحاديث الإباحة لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - إنما عرض على المرأة الباكية الصبر ورغبها فيه ، ولم ينكر عليها جلوسها عنده ولا نهاها عن زيارته ، لأنه  - صلى الله عليه وسلم -  لا يترك أحدًا يستبيح ما لا يجوز بحضرته ولا ينهاه لأن الله تعالى فرض عليه التبليغ والبيان لأمته ، فحديث أنس وشبهه ناسخ لأحاديث النهى فى ذلك.
وقال الشيخ الالبانى : فى حديث عائشة والحديث استدل به الحافظ في  التلخيص على جواز الزيارة للنساء وهو ظاهر الدلالة عليه وهو يؤيد أن الرخصة شملهن مع الرجال ، لان هذه القصة إنما كانت في المدينة والنهى إنما كان في أول الامر في مكة ونحن نجزم بهذا وإن كنا لا نعرف تاريخا يؤيد ذلك لان الاستنتاج الصحيح يشهد له ، وذلك من قوله صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم) ، إذ لا يعقل في مثل هذا النهي أن يشرع في العهد المدني دون العهد المكي الذي كان أكثر ما شرع فيه من الاحكام إنما هو فيما يتعلق بالتوحيد والعقيدة والنهي عن الزيارة من هذا القبيل لانه من باب سد الذرائع وتشريعه إنما يناسب العهد المكي لان الناس كانوا فيه ، حديثي عهد بالاسلام ، وعهدهم بالشرك قريب فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن الزيارة لكي لا تكون ذريعة إلى الشرك حتى إذا استقر التوحيد في قلوبهم وعرفوا ما ينافيه من أنواع الشرك أذن لهم الزيارة وأما أن يدعهم طيلة العهد المكي على عادتهم في الزيارة ثم ينهاهم عنها في المدينة فهو بعيد جدا عن حكمة التشريع ولهذا جزمنا بأن النهي إنما كان تشريعه في مكة فإذا كان كذلك فأذنه لعائشة بالزيارة في المدينة دليل واضح على ما ذكرنا فتأمله فانه شئ انقدح في النفس ، ولم أر من شرحه على هذا الوجه ، فان أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي انتهى كلام الشيخ الالبانى رحمه الله.
 .
و اكمل الشيخ بن عثيمين رحمه الله فقال: وأيضاً قوله: "كنت نهيتكم" خطاب للرجال، ولعن زائرات القبور خطاب للنساء، فلا يمكن حمل خطاب الرجال على خطاب النساء، إذاً، فالحديث لا يصح فيه دعوى النسخ.
تمت الاجابة على هذه الجزئية بالحديث الذى ذكره ابن ابى شيبة فى مقدمة البحث و كذلك حديث عائشة و فهم ام عطية.
وثانياً: قول الشيخ عن حديث المرأة وحديث عائشة، أن المرأة لم تخرج للزيارة قطعاً، لكنها أصيبت، ومن عظم المصيبة عليها لم تتمالك نفسها لتبقى في بيتها، ولذلك خرجت وجعلت تبكي عند القبر مما يدل على أن في قلبها شيئاً عظيماً لم تتحمله حتى ذهبت إلى ابنها وجعلت تبكي عند قبره، ولهذا أمرها - صلى الله عليه وسلم - أن تصبر، لأنه علم أنها لم تخرج للزيارة، بل خرجت لما في قلبها من عدم تحمل هذه الصدمة الكبيرة، فالحديث ليس صريحاً بأنها خرجت للزيارة، وإذا لم يكن صريحاً، فلا يمكن أن يعارض الشيء الصريح بشيء غير صريح.
الجواب
ان هذه المرأة خرجت قاصدة قبر ابنها يقينا و هو صريح فى خروجها لابنها كما لا يخفى و لم ينكر عليها النبى صلى الله عليه و سلم زيارتها لقبر ابنها وانما انكر عليها عدم الصبر.
اكمل الشيخ بن عثيمين فقال : وأما حديث عائشة، فإنها قالت للرسول - صلى الله عليه وسلم -: ماذا أقول؟ فقال: "قولي: السلام عليكم"، فهل المراد أنها تقول ذلك إذا مرت ، أو إذا خرجت زائرة؟ فهو محتمل ، فليس فيه تصريح بأنها إذا خرجت زائرة ، إذا من الممكن أن يراد به إذا مرت بها من غير خروج للزيارة، وإذا كان ليس صريحاً، فلا يعارض الصريح.

الجواب :
ان فى سياق الحديث إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِىَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ وهذا صريح فى قصد الزيارة من النبى و هذا ما فهمته السيدة عائشة وهذا و اضح فى فعلها مع بن ابى مليكة وسوف يأتى ومن ادعى غير ذلك فعليه البينة.

وقال الشيخ بن عثيمين : وأما فعلها مع أخيها رضي الله عنهما ، فإن فعلها مع أخيها لم يستدل عليها عبدالله بن أبي مليكة بلعن زائرات القبور ، وإنما استدل عليها بالنهي عن زيارة القبور مطلقاً ، لأنه لو استدل عليها بالنهي عن زيارة النساء للقبور أو بلعن زائرات القبور ، لكنا ننظر بماذا ستجيبه ، فهو استدل عليها بالنهي عن زيارة القبور ، ومعلوم أن النهي عن زيارة القبور كان عاماً ، ولهذا أجابته بالنسخ العام ، وقالت: إنه قد أمر بذلك ، ونحن وإن كنا نقول : إن عائشة رضي الله عنها استدلت بلفظ العموم، فهي كغيرها من العلماء لا يعارض بقولها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم
الجواب
قلت ان قصد الشيخ عدم علم السيدة عائشة بحديث لعن الله زورات القبور قلنا فهم السيدة عائشة شاركته فيه ام عطية رضي الله عنها والاحاديث الصحيحة التى تفيد النسخ.
وإن قصد انها اجابت بالنهي العام فهذا غير متصور لانه بذلك يصبح انكار عبدالله بن أبي مليكة على السيدة عائشة لغواً و رد السيدة عائشة عليه يكون لغواً ايضاً  حيث قال هو : أَلَيْسَ قَدْ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور؟  
ومن المعلوم ان استفهامه كان عن تحريم زيارة القبور ، والنهي اوسع من اللعن ، فان كل لعن نهي وليس كل نهي لعن ، والدليل انه قصد اللعن فى استفهامه قولها نَعَمْ ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا فهي رضى الله عنها  قصدت اللعن اذا لو لم تكن قصدت الا النهي لشملها اللعن ضمنيا ومعاذ الله ان تكون كذلك ولم يكون لاجابتها ادنى فائدة.
 قلت ايضا وهذا الحديث يبين قصد زيارة السيدة عائشة لقبر اخيها  حيث انكر ابن ابي مليكة عليها زيارة قبر اخيها فقال كما في نص الاثر : أَلَيْسَ قَدْ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور؟ و اجابت هي بان الحكم قد نسخ و هذا يوضح انها قصدت الزيارة حيث اجابت على اعتراضه عليها بالنسخ ولم تعترض عليه بانها لم تقصد الزيارة .
ولم حيث ان اللعن نهى فى حقيقة الامر. فان  لعن الله لراشى و المرتشى فى الحقيقة نهى عن الرشوة .

اكمل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال : * إشكال وجوابه:
في قوله: "زوارات القبور" ألا يمكن أن يحمل النهي عن تكرار الزيارة لأن "زوارات" صيغة مبالغة.
الجواب: هذا ممكن، لكننا إذا حملناه على ذلك، فإننا أضعنا دلالة المطلق "زائرات".
والتضعيف قد يحمل على كثرة الفاعلين لأن على كثرة الفعل، فـ"زوارات" يعني: النساء إذا كن مئة كان فعلهن كثيراً ، والتضعيف باعتبار الفاعل موجود في اللغة العربية، قال تعالى: { جنات عدن مفتحة لهم الأبواب } [ص: 50]، فلما كانت الأبواب كثيرة كان فيها التضعيف، إذا الباب لا يفتح إلا مرة واحدة، وأيضاً قراءة { حتى إذا جاؤوها وفتحت } [الزمر: 73]، فهي مثلها.
فالراجح تحريم زيارة النساء للمقابر، وأنها من كبائر الذنوب.
الجواب
هذا الرد لا يلزمنا و انما يلزم من قال ان النهى غير منسوخ وان النهى للمكثرات من الزيارة وهو مذهب القرطبى والشوكانى والالبانى ومن وافقهم ، قال القرطبي :  ( اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك وقد يقال : إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الأذن لهن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء
وذهب البعض الاخر ان اللعن للنساء محمول عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ لِلتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ أَوْ كَانَ فِيهِ خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ وَقِيلَ تُبَاحُ إذَا أُمِنَ الِافْتِتَانُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ للجمع بين الادلة ، وهذا الرأي لم يرد عليه الشيخ.
ومنهم ايضا من ضعف لفظ زائرات.

ادلة اخرى للمانعين و الرد عليها:
- عن أنس بن مالك قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في جنازة فرأى نسوة فقال : أتحملنه ؟ قلن : لا قال : تدفنه ؟ قلن : لا قال : فارجعن مأزورات غير مأجورات.
الجواب
الحديث (ضعيف) فيه الحارث بن زياد قال الذهبي: ضعيف.وضعفه النووى و الالبانى و غيرهم.

- عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال : «قَبَرْنا مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- مَيّتا ، فلما فرغنا انصرف رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ، وانصرفنا معه ، فلما حاذَى رسولُ الله بابَه وقف ، فإذا نحن بامرأة مُقِبلَة - قال : أظنُّه عرفها - فلما ذهبت ، فإذا هي فاطمةُ ، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ما أخرَجَك ، يا فاطمةُ من بيتكِ ؟ قالت : أتيتُ يا رسولُ الله أهل هذا البيت ، فرحَّمْتُ إليهم ميَّتَهم - أو عَزَّيُتُهَم به - فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : لعلَّكِ بَلَغْتِ معهم الكُدَى؟ فقالت : معاذ الله ، وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر ، قال : لو بلغت معهم الكُدى - فذكر تشديدا في ذلك - قال : فسألتُ ربيعة بن سيف عن الكدى ؟ فقال : القبور ، فيما أحسِب ».
أخرجه أبو داود ، وأخرجه النسائي بنحوه ، وقال في آخره « فقال : لو بلَغْتِها معهم ما رأيتِ الجنة حتى يراها جَدُّ أبيكِ ».
الجواب
الحديث ضعيف سندا و متنا فهو من رواية ربيعة بن سيف المعافري و هو ضعيف ومما يدل على نكارة هذا المتن قوله : (( ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك و هذا يؤول بها الى الكفر   لأن عبد المطلب جد النبي- صلى الله عليه وسلم - مات كافراً على دين الجاهلية.
وقد ضعفه النووى و الالبانى و شعيب الارنؤوط و غيرهم.
و قال الامام الذهبى فى المهذب منكر و قد اغتر البعض بموافق الذهبى للحاكم فى المستدرك على تصحيح هذا الحديث الا ان الذهبى كان قد علق على المستدرك فى بداية التحقيق او انه لم يقصد التحقيق بدليل أن الذهبي نفسه قد صرح  في سير اعلام النبلاء عند ذكره اختصاره للمستدرك بأنه كتاب مفيد ولكن يعوز عملا وتحرير و هذا يدل على ان الذهبى قد رجع عن تصحيح احاديث عند الحاكم بعد زيادة رسوخ  قدمه فى علم الحديث أو قصد التحقيق و لذلك قال فى المهذب منكر.

إرسال تعليق

 
Top